Monday, July 30, 2012

العام ٢٠١٢: هل يكون عام الفناء الأكبر؟


العام 2012: هل يكون عام الفناء الأكبر؟
_____________________________

توطئة
كثر الحديث في الأعوام الأخيرة عن قرب نهاية العالم وفناء البشرية، وتناثرت الأدلة على أننا نعيش حقبة ’آخر الزمان‘ المؤذن بخراب الدنيا ونهاية الحضارة. ورغم أننا كمسلمين نوقن بحتمية ذلك عند ’قيام الساعة‘، فإن الاستقراءات المنتشرة بين قطاعات كبيرة من سكان العالم اليوم لخراب الدنيا بدءاً بالعام 2012 ترسم صورة شديدة القتامة لكوكبنا وما سيحيق به قبل يوم القيامة الواعد بالتكفل بذلك أصلاً. وقد زاد من متابعة العديد من بني الإسلام لهذه النظريات ظهور ما يعضدها من أحاديث نبوية مغمورة انتشرت كالبرق بين الناس مع ثورة الاتصالات التي يعيشها عالمنا منذ ما يربو على العقد من الزمان. فهل يا ترى يكون هذا العام عام "الفناء الأكبر" للبشرية (بالقضاء على معظم بني آدم)؟ وهل تصح تلك الروايات في كتب الحديث النبوي إن هي وافقت واقعاً معاشاً سينزل بنا عما قريب؟ في هذا المقال استعراض لما يُثار حول هذا الموضوع معزواً إلى ما نمى لعلم المتابعين من مصادر علمية وإسلامية.

المايا و"العابر"!
بينما يكاد يُجمع علماء الأديان والطبيعة أن الدنيا تلج في مرحلة من الكوارث والمآسي، طبيعية كانت أسبابها أم بشرية، فإن "نبوءة‘ حضارة المايا بنهاية العالم في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر لعام 2012" هي أشهر تلك الأقوال (أو المزاعم) على الإطلاق على مستوى كوكبنا. وتثير هذه ’النبوءة‘ الكثير من الجدل وتسبب الأرق لدى كثيرين حول العالم على مختلف أديانهم وخلفياتهم الفكرية. ولعل مردَّ الدهشة العالمية من ’نبوءة المايا‘ هو أن القوم (الذين عاشوا في غابر الزمان) بلغت بهم الثقة مبلغاً أن حددوا اليوم والشهر والسنة لحدوث الفناء المحتوم للأرض وأهلها!! وتعتبر تلك النبوءة أقدم ما سجلته البشرية حول حتمية نهاية الكون، رغم أنها ليست الوحيدة في ذلك المضمار. وقد صادف اكتشافها تناقل عشاق ’نظريات المؤامرة‘ (conspiracy theories) لبحوث علمية عن مُجريات كوكبنا ومجرتنا تدعم الاعتقاد بقرب نهاية الحضارة البشرية. فيُنقل عن المتابعين أن ما توصل إليه قطاع من العلماء حول احتمال تعرض كوكبنا للفناء لا يُنشر عن عمد مخافة إثارة ذعر سكان العالم والتسبب بحالة من الهلع عبر أرجائه لا يمكن السيطرة عليها بحال! ومن أبرز ما يتردد من أنباء طمست أو أنكرتها الجهات المعنية ما فعلته ’وكالة الفضاء الأمريكية‘ (ناسا) بعدما سبق وأعلنت عنه قبل سنين عن اكتشاف عاشر كواكب مجموعتنا الشمسية (والذي أسمته حينذاك بـ’الكوكب العاشر‘، أو Planet X بالإنجليزية -- مع ملاحظة أن الحرف X هنا ليس سوى الرقم 10 في الأرقام الرومانية القديمة). وقد تم تسمية هذا الكوكب بالعاشر حين كان كوكب ’بلوتو‘ لا يزال الكوكب التاسع في مجرتنا (وهذا قبل أن يُطرد منها من سنين قلائل بداعي اتضاح عدم انطباق تعريف ’الكوكب‘ عليه مؤخراً مع تقدم الدراسات الفلكية). ويشيع بين الباحثين أن هذا الكوكب المكتشف حديثاً هو الكوكب ’Nibiru‘ (أو ’نعبرو‘ --"العابر" على الأرجح في اللغة العربية) الذي سبق أن ذكره السومريون في ألواحهم وتنبأوا بأنه سيقضي على الحياة على الأرض. وقد كان أن ربط المراقبون بين الأوصاف المشتركة لـ’نعبرو‘ (بتسمية السومريين) و ’الكوكب العاشر‘ (بالتسمية المعاصرة للبشر اليوم) للاستدلال، من وجوه عدة، بأنه هو المعني بإفناء معظم الحياة على كوكبنا.

يوصف الكوكب العاشر أنه يزيد عن حجم الأرض بثمانية أضعاف وأنه سيمر قربها عام 2012 وقد يقضي على الحضارة البشرية كما نعرفها مرة وإلى الأبد. يعود السبب في ذلك إلى أن جاذبية هذا الكوكب الهائلة ستعمل على جذب قشرة كوكبنا نحوه بينما يقوم لب الأرض بجذبها من الداخل، فتنشأ عن ذلك جبال ووديان جديدة، وتتفجر كل البراكين الخامدة (والتي يُوجد واحد تحديداً منها سيتكفل وحده بإنهاء الحياة والحضارة البشرية إن هو ثار ثورته المتأخرة أصلاً، حسب العلماء، وهو بركان يلوستون / ،Yellowstone -- فكيف بالمئات من البراكين وقد تفجّرت معه؟). كذلك فإن حرارة الكوكب العاشر (المار قرب كوكبنا) ستذيب الجليد حول العالم، بدءاً بالقطبين الشمالي والجنوبي، فيعلو مستوى المياء في البحار والمحيطات بمقدار 250 متراً، معلناً غرق العديد من مدن العالم الساحلية بل وتلك في أعماق قارات الدنيا الخمس! بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تعم الزلازل ربوع الأرض وينقلب القطبان المغناطيسيان للأرض، الشمالي والجنوبي، على بعضهما البعض! ونتيجة لهذه الكوارث الطبيعية النازلة بنا، يُقدر الدارسون أن القضاء على 70% من سكان الكوكب حتمي، فيما يعقب ذلك هلاك ثلثي الباقين جراء المجاعات والأوبئة التي ستجتاح الأرض!

الطارق وحديث "الصيحة"!
لم يدر بخلدي البتة أن يوجد في المصادر الإسلامية ما يمكن أن يؤيد القول بفناء العالم عام 2012 بسبب "كويكب العذاب" (كما أسماه بعض العرب في نقاشاتهم عبر الانترنت) أو غيره، حتى وقعت على بحث نادر حول سورة "الطارق" في القرآن الكريم أطاح بهذا الاعتقاد! فقد ظهرت دراسة لكاتب مجهول (اختفت مع صاحبها وموقعه من الانترنت قبل بضع سنين، بعدما انتشرت انتشار النار في الهشيم) تفيد بأن ’الطارق‘ المذكور في تلك السورة ليس سوى الكوكب العاشر القادم من بعيد لعقاب البشرية ولغسل الأرض من رجس خطاياها. يشير واضع الدراسة إلى أن ’الطارق‘ هو اسم لأحد كواكب مجرتنا الإحدى عشر (والتي لم يكتشفها الفلكيون بشكل كامل بعد، وسبقهم لذلك القرآن بألف وأربعمائة عام) وأن الدليل على ذلك موجود في القرآن والسنة! هذا لأننا نقرأ في سورة "يوسف" ذكر سيدنا يوسف –عليه السلام- للرؤيا التي رأى فيها أحد عشر كوكباً يسجدون له! ثم هنالك الحديث المغمور (أي: غير المشهور) لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع يهودي سأله عن أسماء الكواكب في مجرتنا الشمسية!

روى ابن جرير والطبري (في تفسيره) وابن كثير (في قصصه للأنبياء) أن يهودياً جاء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له، ما أسماؤها؟" فسكت النبي فلم يجبه بشيء، ونزل جبريل -عليه السلام- بأسمائها، فبعث رسول الله إلى اليهودي يسأله: "هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟" فقال: "نعم." فقال الرسول: "هي جريان والطارق والذيال وذو الكتفان وقابس ووثاب وعمودان والفيلق والمصبح والضروح وذو الفرع، والضياء والنور." فقال اليهودي: "أي والله إنها لأسماؤها!"

هذا ويُشار إلى أن "الضياء" هو شمسنا (لأنها تضيء من نفسها) و"النور" هو قمرنا (الجرم الذي يدور حول أرضنا) لأنه لا يضيء، بل يعكس ضوء الشمس فينير! ويُستفاد من هذا الحديث أن لكواكب مجموعتنا الشمسية أسماءها عند الله غير تلك التي يعرفها بها العرب، فلا ذِكر لـ"عطارد والزهرة والأرض والمريخ وزحل والمشتري" وغيرها، وأن من تلك الكواكب ما يسمى عند الله بـ"الطارق"! فهل فيثبت من ذلك أن سورة "الطارق" تشير إلى أحد كواكب مجرتنا فعلاً؟؟؟

            لا يقف صاحب تلك الدراسة (المعنية بالقول أن كوكب ’الطارق‘ هو كوكب العذاب القادم لإفناء البشرية) عند حد مجرد الإشارة للطارق في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لليهودي؛ فلقد استفاض واسترسل الكاتب في تفسير تلك السورة القرآنية منبهاً إلى أن الطارق سيضرب ضربته ("طرقته"، التي اشتق منها اسمه؟) في شهر رمضان، مدللاً على ذلك بقوله –تعالى- في نفس السورة: {إنه على رجعه لقادر * يوم تُبلى السرائر}. إذ يؤكد صاحب هذه النظرية أن في هذه الآية إشارة ربانية إلى أن ’الطارق‘ سبق له المرور بأرضنا وأنه الله مُرجِعَه، وأن ذلك كائن في الزمن الذي كنى به الله –جل وعلى- بـ"يوم تبلى السرائر". وقد كان أن انتبه الباحث إلى أن ’السرائر‘ هي جمع ’سريرة‘، وأن الله يختبر ’سرائرنا‘ عبر فريضتي الصلاة والصيام، والتي فُرضت على أمة الإسلام في شهر رمضان، فكانت تلك إشارة ضمنية منه –سبحانه وتعالى- إلى أن رجوع الطارق سيكون في الشهر الذي أنزل الله به على أمة محمد تلك الفريضتين! وقد زاد من احتمالية صواب هذا الرأي انتباه باحثين مسلمين آخرين إلى حديث "الصيحة" لرسول الله –صلى الله عليه وسلم!

عن ابن مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:" إذا كان صيحة في رمضان، فإنه يكون معمعمة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم، وما المحرم؟ (يقولها ثلاث مرات) هيهات هيهات! يقتل الناس فيه هرجاً هرجاً!" قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟ قال: "في النصف من رمضان، ليلة الجمعة، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم، وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل والبرد، فإذا وافق شهر رمضان في تلك السنة ليلة الجمعة، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة في النصف من رمضان، فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجداً، وقولوا ’سبحان القدوس، سبحان القدوس ربنا القدوس،‘ فإنه من فعل ذلك نجا، ومن لم يفعل هلك!"

هذا ويُشار إلى أن شهر رمضان الحالي سينتصف يوم الجمعة القادم (أي بعد أربعة أيام من تاريخ هذا المقال)، ونحن كذلك في العام 2012! ونحن إذ ننبه لذلك، فإنا ندعو الله أن يلطف بنا ونرجوه السلامة والعافية لنا ولصالح المسلمين!

منطق المروجين لنظرية الفناء!
إحتار الباحثون في إيجاد الخلفية التي استندت عليها شعوب المايا حين أنهت التقويم الشمسي بتاريخ 21 لشهر ديسمبر عام 2012، فمنهم من قال أنها نبوءة ’نبي محلّي‘ كان يعيش بين القوم (ومعلوم لدينا، نحن المسلمين، أن الله قد أرسل رسلاً لكافة أمم البشر عبر كل الأزمنة يدعونهم للدين الحق بلغاتهم المحلية)، ومنهم من قال أنها استندت إلى قياس الفترة الفاصلة بين كل اصطدام لجرم سماوي معين من الفضاء يسقط على كوكبنا بشكل دوري فيفني الحياة فوقه لتبدأ بعد ذلك دورة جديدة للحياة عليه مع فصيلة أخرى جديدة من الكائنات تسيطر على سطح الكوكب بعد إزاحة أخرى عن وجهه. وللتدليل على ذلك، زعموا أن آخر تلك الأجرام (أو الكواكب) كان ذلك الذي يعتقد العلماء أنه مر (أو اصطدم) بكوكبنا فأنهى حياة الديناصورات (السحالي العملاقة) عليه، ممهداً الطريق فيما بعد لظهور الكائن الأعظم على هذه الأرض، ألا وهو الإنسان. ويوغل المنظِّرون لهذا السيناريو بالقول أن حضارة المايا القديمة قد عاصرت (أو وثقت) ذلك التدمير مرتين فاستطاعت تسجيل الفترة الفاصلة بين تكرار تلك الظاهرة، فتنبأت بالمرة المقبلة (والتي هي عادة تزيد على الثلاثة آلاف عام)! وقد انتشر بين الفلكيين رسم للمدار البيضاوي (والغير مألوف البتة لكواكب نظامنا الشمسي) الذي يتخذه الكوكب العاشر حول شمسنا، وهو المدار الذي يتردد اكتمال دورته فوق ما يزيد عن الثلاثة آلاف عام! وهو في كل مرة يمر قريباً من الأرض يغسلها (أو يطهِّرها) من كافة أشكال الحياة عليها (إلا ما رحم ربك)، كما يروج لدى المهتمين!!

ويتقاطع منطق القائلين هذا حول زوال البشر من على وجه الأرض مع التفسير النادر لسورة الطارق والذي أتى به صاحب تلك الدراسة (آنفة الذكر)، إذ يقول في تفسير قوله –تعالى- في سورة الطارق: {إن كل نفس لما عليها حافظ} أن الله أراد بذلك التأكيد أن "كويكب العذاب"، الذي سيزول ما على وجه الأرض من خليقة، لن يمحوا ما سجلته الملائكة على المكلفين منهم، فهم ’الحفظة‘ لكل أفعال ابن آدم! ويسترسل صاحب تلك الدراسة فيناقش أن الله لمَّح أيضاً إلى ظهور ’الطارق‘ من أعماق الفضاء (والمجهول) كما يخرج ماء الرجل والمرأة من أعماقهما؛ ذلك حين قال ربي –سبحانه: {فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصُّلب والترائب}. ثم يؤكد صاحب التفسير أن ’الطارق‘ في مروره القادم عائد ليقوم بمهمة سبق أن قام بها، ودلالة ذلك قوله –تعالى: {إنه على رجعه لقادر} (والضمير هنا عائد على الكوكب، لا رجعة الإنسان لربه يوم البعث، كما يقول صاحبنا، على خلاف المشهور من كتب التفاسير لدى الأقدمين). أما توقيت رجعته، فكما أسلفنا في هذا المقال، يعتقد الباحث أنه سيكون في رمضان، استناداً لقوله –تعالى: {إنه على رجعه لقادر * يوم تُبلى السرائر}. لكن هل ستفنى الحياة كلياً كما يروج غير المسلمين في نظرتهم للسيناريو القادم؟ ينفي ذلك صاحب تفسير سورة الطارق، معللاً ذلك بما يلي من آيات ربي: {والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع}، فيشير إلى ما ينبي ذلك من رجعة السماء لحالتها الطبيعية (بعد ما سيلوثها من أغبرة كونية وموجات كهرومغناطيسية وسحب بركانية، إلى آخر ذلك) وتصدع (أي انشقاق) الأرض من جديد، فتخرج نباتها وكنوزها من جديد، بعدما تكون قد غُسلت من رجس ابن آدم عليها!

وختاماً، أجد من الجدير بالتذكير أن أياً ما كان سيؤول إليه أمر البشر على هذا الكوكب في المستقبل القريب، فما على المسلم منا إلا التسليم بقضاء الله، والاستعداد دوماً للقاءه. قد يثير هذا المقال فزع البعض، خاصة إن علمنا قابلية هذا السيناريو للحدوث على ضوء سؤال زوجة رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "أنهلك وفينا الصالحون؟" فرد عليها قائلاً: "نعم، إذا كثر الخبث!" كما وقد أخبر رب العزة والجلال في محكم التنزيل: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود). لكن ليعد المرء منا نفسه لمثل ذلك اليوم، وليعلم أن قيامته الصغرى (وفاته) أقرب وآكد نبأ من أي مما سبق، وحقيق به ألا يغفل عن ذلك. ولله الأمر من قبل ومن بعد. والحمد لله رب العالمين.